منذ حوالي الأسبوع، يتداول الجنود الإسرائيليون العائدون من الحرب العدوانية في قطاع غزة، رواية حول «امرأة قديسة» يعتقدون أنها راحيل، إحدى الأمهات الأربع في الديانة اليهودية، وزوجة النبي يعقوب، ظهرت للجنود ثلاث مرات وأنقذتهم من الموت المحقق. والقصة كما رواها أحد الجنود نقلا عن جندي آخر لم يذكر أحد اسمه، أنه خلال الهجوم على أحد البيوت في شمال قطاع غزة لاقتحامه، «ظهرت فجأة امرأة جميلة طويلة القامة ترتدي اللباس الفلسطيني وقالت لنا: «لا تدخلوا هذا البيت، إنه مليء بالألغام». فكرنا قليلا وقررنا الامتثال لها. وما هي إلا لحظات حتى انفجر البيت وانهار أمام ناظرينا. واختفت المرأة عن أنظارنا. وواصلنا التقدم، فاقتربنا من مسجد وصلت إلينا معلومات أنه يحتوي على مخزن متفجرات وأسلحة. وقبل أن نصل، ظهرت لنا هذه المرأة من جديد، وقالت: «أحذركم من الدخول إلى هذا المسجد أيضا، فهو ملغوم». فتراجعنا على الفور، وهذه المرة من دون تردد. وبالفعل، فقد انفجر المسجد وانهار بعد دقائق». ويواصل الجندي روايته: «وحصل الأمر نفسه مرة ثالثة في اليوم نفسه. ولكن هذه المرة أمسكنا بها وسألناها عن قصتها وما الذي يجعل امرأة فلسطينية تحذر الجنود اليهود الذين يهاجمون شعبها وتنقذهم من الموت المحقق. فأجابت: لأنني أحبكم ولا أريد لكم سوى الخير. وسألوها: ومن أنت؟ فأجابت: أنا أمكم راحيل. واختفت من جديد».
وراحيل هي زوجة يعقوب ووالدة سيدنا يوسف، التي يعتبرها اليهود واحدة من الأمهات الأربع لليهودية، كونها امرأة مضحية باركها الله سبحانه وتعالى وبفضلها – يقول رجال الدين اليهود – عاد اليهود إلى أرض إسرائيل التاريخية. وأقيم ضريحها في مدخل مدينة بيت لحم، وأصبح مزارا لليهود عموما وللنساء المصابات بالعقم بشكل خاص، لأنها كانت قد ولدت يوسف وشقيقه بنيامين بعد أكثر من 20 سنة من زواجها.
ولكن هذه القصة لم تبق مقصورة على ألسنة الجنود، بعضهم يصدقها وبعضهم يسخر منها، لأن أحد رجال الدين اليهود المعتبرين تبناها، هو الحاخام الأكبر مردخاي الياهو، الذي يعتبر الرئيس الروحي لليهود المتدينين الأشكيناز، وأكبر رجل دين للتيار القومي الديني في الحركة الصهيونية، الذي يتبعه غالبية المستوطنين.
فقد صادق على الرواية، وقال إنها واقعية، وإنه شخصيا كان قد توجه إلى «أمنا راحيل» ودعاها لأن تصلي من أجل الجنود الإسرائيليين في غزة، وأن تباركهم وتبعد عنهم لعنة الفلسطينيين. وما بين المزاح والجد قال لسامعيه: «تستطيعون القول بأنني أنا الذي أرسلها للجنود في غزة». ومن هنا انتشرت القصة بطريقة جديدة أكثر وثوقا، حيث إن وراءها يقف الحاخام الأكبر. ونقلها ابن هذا الحاخام، شلومو إلياهو، وهو الحاخام الأكبر في مدينة صفد. ووصلت الرواية إلى الشارع الإسرائيلي والصحافة فراح العلمانيون يسخرون منها ومن رجال الدين الذين يرددونها. ويعتبرونها إشارة أخرى على الغيبية من جهة و«على التقليل من شأن المحاربين الإسرائيليين الذين يضحون بأرواحهم في سبيل الشعب اليهودي وأمنه، ويأتي رجال دين سخيفون يجيرون النصر لهم وهم في البيت يأكلون ويشربون بشراهة»، كما كتب الأديب مئير شليف. وتدخل عدد من رجال الدين العقلاء فهاجموا هذه الرواية واعتبروها وهما. وقال الحاخام يوفال شيرلو، إنه «ما من شك أن الله وسيدتنا راحيل وكل القديسين وقفوا وراء جنود الجيش الإسرائيلي في الجبهة وصلوا من أجل النصر. ولكن القصة كما رواها الجنود ورددها وراءهم رجال دين هي قصة وهمية. لا أساس لها من الصحة. كل عاقل يعرف أنها نتاج خيال. اخترعها أحد الجنود الذين يتمتعون بالهبل الشديد أو بالخيال الكاذب أو أحد الجنود الذين يتمتعون بروح فكاهة عالية ويكرهون الدين ويعتقدون بأنهم بهذه الطريقة يحطون من قدره بين العلمانيين».